الجمعة 29 رمضان 1441 هـ

الموافق 22 مايو 2020 م

الحمد لله الذي خلَق كلَّ شيء فقدره تقديراً، ودبَّر أمور عباده على ما تقتضيه حكمتُه، وكان بهم لطيفاً خبيراً، ونشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وكان على كل شيء قديراً، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسَلَه بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن من الصفات الحميدة، التي تبعث على الرضا والأمل، وتُدخِل الفرحَ والسرورَ على قلب كل مؤمن؛ لِمَا تشتمل عليه من حُسْن ظَنٍّ بالله تعالى، وكمال توكُّل عليه، هي صفة الأمل والتفاؤل، وتوقُّع الخير في المستقبل، مهما اشتدت الأزماتُ، وطالت

والشدائد والكربات، فترى المتفائل راضياً عن الله عز وجل، مؤمناً بقضائه وقدره، يُحسن الظنَّ بتدبيره وحكمه، وأنه سبحانه سيَجزيه على بلائه ومحنته وصبره، يقول تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

عباد الله: لقد جعل الله تعالى  الحياةَ الدنيا كثيرةَ التقلُّب؛ لا تستقيم لأحد على حال، ولا تصفو لمخلوق مِن الكدَر، ففيها خير وشر، وصلاح وفساد، وصحة ومرض، ووباء ودواء،  وابتلاء ومعافاة، وسُرور وحزن، وأملٌ ويأس، ويأتي الأمل والتفاؤل كشُعاعَين يُضيئان دياجيرَ الظَّلام، ويَشقَّان دروب الحياة للأنام، ويَبعثان في النفس البشرية الجدَّ والمُثابرة، ويُلقِّناها الجلَد والمُصابَرة، فإن الذي يُغري التاجرَ بالأسفار والمُخاطرة: أملُه في الأرباح، والذي يَبعث الطالبَ إلى الجدِّ والمُثابَرة: أمله في النجاح، والذي يُحفِّز الجنديَّ المحارب إلى الاستِبسال في أرض المعركة: أملُه في النصر والظفر، والذي يُحبِّب إلى المريض الدواءَ المرَّ: أمله في الشِّفاء والطُّهْر، والذي يدعو المؤمن أن يخالف هَواه ويطيع مولاه: أمله في الفوز بجنَّته ورضاه، فهو يُلاقي شدائد الدنيا وابتلاءاتها، بقلب مُطمئنٍّ، ووجه مُستبشِر، وثَغرٍ باسم، وأملٍ عريض، فإذا جاهد وحارَب كان واثقًاً بالنصر والغلبة، وإذا أعسَر لم يَنقطِع أمله في تبدُّل العسر إلى يسْر، وإذا اقترف ذنباً لم ييئس من رحمة الله ومَغفرته؛ تعلُّقًاً وأملاً بقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)  أيها المؤمنون: ما أجملَ الآياتِ الكريمةَ التي تتحدَّث عن الأمل! وتبثُّ روح التفاؤل بين المسلمين! يجب استحضارها في كل وقت وحين خصوصاً في هذه الظروف التي نمر بها ويمر بها العالم بأسره، فانظروا رحمكم الله إلى أمنيات الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم، والتي صوَّرها القرآن الكريم؛ فهذا إبراهيم عليه السلام  قد صار شيخاً كبيراً ولم يُرزَق بعدُ بولد، فيدفعه حسْن ظنِّه بربه أن يدعوَه: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) فاستجاب له ربُّه، ووهب له إسماعيلَ وإسحاق  عليهما السلام. ونبي الله يعقوب عليه السلام فقَد ابنَه يوسفَ  عليه السلام  ثم أخاه، ولكنه لم يتسرَّب إلى قلبه اليأسُ، ولا سرَى في عروقه القنوطُ، بل أمَّل ورَجاء وقال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وما أجمله من أمل تُعزِّزه الثقةُ بالله سبحانه وتعالى  حين قال: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) وأيوب عليه السلام ابتلاه ربه بالمرض وبذَهاب المال والولد والعافية، ثم ماذا؟ قال الله تعالى عنه:وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وأمَّا إمام الأنبياء والمرسلين صلوات ربي وسلامه عليه، فقد كان أجملَ الناس صبراً، وأحسنهم تفاؤلاً وأمَلاً، فحين بُعِثَ بنور الإسلام آذاه أقربُ الناس إليه، وأخرَجوه من أحب البلاد إليه، وكذَّبوه وحاربوه، ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم واثقاً بنصر ربه وتأييده، متفائلاً ببلوغ دينه، ما بلغ الليلُ والنهارُ، ففي طبقات ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم، لَمَّا عاد من الطائف أقام بمكان قريب من مكة أياماً، فقال له زيد بن حارثة: (كيف تَدْخُل عليهم وهم أخرجوكَ؟ -يعني قريشاً- فقال: يا زيد، إن الله جاعلٌ لِمَا ترى فرجاً ومخرجاً، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه)، فكان صلى الله عليه وسلم يبعَث في قلوب أصحابه معاني التفاؤل والأمل، وحُسْن الظن بالله عز وجل، وصِدْق التوكُّل عليه، وكمال الرجاء فيه… وانظروا حفظكم الله إلى سورة الشَّرحِ التي كانت تتضمَّن اليُسر والأمل والتفاؤل للنبي  صلى الله عليه وسلم، وتذكيره بنعم الله عليه، ثم اليُسر بعد العُسْر، والطريق لهذا اليُسر هو النَّصَب والطاعة لله  عز وجل والرغبة والأمل في موعود الله سبحانه، قال تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)

والنبي صلى الله عليه وسلم من خلال أحاديثه الشريفة، ومَواقِفه العظيمة، وتوجيهاته الرائعة  يحثُّنا على التحلي بالأمل والتفاؤل؛ فلقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يُعجبه الفأل؛ لأنه حسْن ظنٍّ بالله  سبحانه وتعالى فقد صح في الحديث عنه  صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ: الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ) فبالأمل يَذوق الإنسان طعم السعادة، وبالتفاؤل يُحسُّ ببهجة الحياة، والإنسان بطبعه يحبُّ البُشرَى وتطمئنُّ إليها نفسه، وتمنحه دافعاً قويًّاً للعمل، بينما التَّنفير يُعزِّز مَشاعر الإحباط واليأس لديه، ويُصيبه بالعزوف عن القيام بدَوره في الحياة؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (يسِّروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تُنفِّروا). ولقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على الذين يُنفِّرون الناس، ويَضعون الناس في موقع الدُّونيَّة والهزيمة النفسيَّة، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرَّجلُ: هلك النَّاسُ، فهو أهلكَهم) أي أنه هو سبب في هلاكهم، وهذا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  الذي أرسله الله بشيراً ونذيراً، مكث في مكة ثلاثةَ عشر عاماً يَدعو إلى الإسلام، فجابَه المشركون وعُبَّاد الأوثان دعوتَه بالاستهزاء، وآياتِ ربِّه بالسُّخرية والعداء، وأصحابَه بالأذى والضراء، غير أنه لم يَضعُف عن مبدئه ولم يَستكِنْ، ولم يَنطفِئ في صدره أمل الغلَبة والظفر، وحين اشتدَّ عليه وعلى صاحبه الطلَبُ أيام الهِجرة إلى حدِّ أن وقف المشركون فوق رؤوسهما، وهو صلى الله عليه وسلم  يقول لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه  بلُغَة الواثق بربه سبحانه: (ما ظنُّك باثنَين اللهُ ثالِثهما؟)… وقد بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة  بانتِصار الإسلام وظُهورِه مهما تكالَبتْ عليهم الأمم، وتألَّبتْ عليهم الخُصوم والأعداء؛ فقال (ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلَغ الليل والنهار، ولا يَترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدِّين بعِزِّ عَزيز أو بذُلِّ ذليل، عزًّاً يُعزُّ الله به الإسلام وذلاًّ يُذلُّ الله به الكفْر وأهله).

أيها المسلمون والمسلمات: إن التفاؤل باب واسع، ينبغي بل يجب أن يستصحبه المسلم عند كل باب من أبواب الشدة، حين تتعثر أمورك، وتضيق بك السبل، حين تعيش الفقر والمسغبة، تفاءل بقرب الفرج، وما عند ربك من خير ورزق قريب، واذكر قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ)..

حين تمر بك مصيبة، أوْ ضيقٌ أوْ غمٌّ، فتفاءل وأحسن بربك الظن، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْراً مِنْهَا)… حين تصاب أيها المؤمن بالمرض المخوف، والداء والوباء المستعصي، فأحسن الظن بالرب العلي، فقد شفى قبلك أيوب عليه السلام بعد أن طال بلاؤه وعجز الطبيب عن علاجه.. حين يطول عقمك، وتغلق أبواب الأطباء دونك، وتتقدم سنك وأنت تتمنى الولد والذرية، فأحسن الظن بربك، فالذي رزق زكريا عليه السلام، على كبر قادرٌ على أن يرزقك، وكم من امرئٍ عاش تجربتك فجاءه الفرج من حيث لا يحتسب… حين ترفع لله دعواتك في أي شيء، فتفاءل وأحسن بمولاك الظن، فما أقرب الإجابة، واذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ) وإن لم تجب فأحسن الظن بربك فلعل ما صرف عنك خير مما تطلب، وقد قال بعض الصالحين: إنَّا لندعو اللهَ مرةً، فإنِ استجابَ لنا فَرِحنا مرةً، وإنْ لمْ يستجبْ لنا فَرِحنا عَشَرَ مراتٍ، لأنَّ الأولى باختيارِنا والثانيةَ باختيارِ اللهِ تبارك وتعالى… وحين تتوب أيها المسلم لربك فتفاءل بقبول توبتك، وأحسن الظن بخالقك، فمهما كثرت الذنوب، فإن الله يغفر ويتوب، واذكر أنه نادى المسرفين بالذنوب، المكثرين من المعاصي، وفتح لهم باب الرجاء والعودة فقال (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ورضي الله تعالى عن الإمام علي بن أبي طالب حين قال:

إذا اشتمَلَتْ على اليأسِ القلوبُ

وضاقَ لِمَا به الصَّدْرُ الرحيبُ

وأَوْطَأتِ المكاره واطمأنّتْ

وَأَرْسَتْ في أماكنها الخطوب

ولَم تر لانكشافِ الضُّرِّ وَجْهَاً

ولا أغنَى بحيلَتِهِ الأريبُ

أتاك على قنوطٍ منك غَوْثٌ

يمنّ به اللطيفُ المستجيب

كذاك الحادثاتُ إذا تَنَاهَتْ

فمَوْصُولٌ بها الفَرَجُ القَرِيب

ألأ فطوبى لقلبٍ عُمر بالأمل والتفاؤل، وعمِرَ بحسن الظن بالله، وامتلأ باليقين، ورضي بتدبير اللطيف الخبير… فاللهم أملأ قلوبنا ونفوسنا بذلك، واجعل عاقبة فألنا خيراً لنا في ديننا ودنيانا، واجعل عاقبة فألنا تفريجاً لكرباتنا، وإجابة لدعواتنا، وكشفاً ورفعاً وذهاباً، لابتلاءاتنا، إنك على كل شيء قدير.

اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، واجعل حاضرنا خيراً من ماضينا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا، واجعل أيامنا كلها خير وبركه زاخرة بطاعتك.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي باسمه تُبتدئُ الصالحات وبحمده تُختتم، والحمد لله العفوُّ الكريم الأكرم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، ومصطفاه من سائر الأمم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن اقتفى أثرهم والتزم.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: جمعتكم هذه آخر جمعة من رمضان، فانظروا ماذا  أودعتم فيه من الأعمال، فمن أودعه عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك، وليُبْشِر بِحُسْنِ الثوابِ، فإن الله لا يضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً، ومن أودَعه عملاً سيئاً فَليتُبْ إلى ربِّه توبةً نصوحاً فإن الله يتوبُ على من تاب. واعلموا أن عبادة الله تعالى لا تنقضي إلا بالموت، فإياك أن تكون ممن لا يجتهد إلا في رمضان، قال الله عز وجل : (وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ)

عباد الله: إن من علامات القبول أن يكون العبد على حال أحسن من حاله السابقة، وأن يكون راغباً في التزود من طاعة الله، بعيداً عن الوقوع في معصية الله. إن بعض المسلمين هداهم الله يكون على حالة مستقيمة في رمضان، فإذا انتهى شهر الصيام، عاد إلى حالته القديمة، وسيرته الأولى، فأفسد ما أصلح، ونقض ما أبرم.. كان كثير من السلف الصالح إذا انتهى شهر رمضان بكوا لفراقه وتأسفوا على رحيله وخافوا ألا يكونوا أوفوه حقه.

أيها المؤمنون: لم يتبق في شهركم إلا ساعات ووريقاتٌ وركعاتٌ معدودات وسجدات، ومواطن قليلة، تتحرى فيها الدعوات، ثم إلى الله المورد، وعند عتبات بابه الموعد، والله أعلم هل نلتقي في رمضان القادم أو لا نلتقي، نسأل الله تعالى طول العمر، وحسن الختام.

أيها الصائمون والصائمات: إن من سنن الهدى ومعالم البر والإحسان في ختام هذا الشهر الكريم ما شرعه الله  تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من إخراج زكاة الفطر فهي طهرةٌ للصائم وطعمةٌ للمساكين، ووجهٌ مشرق في محاسن هذا الإسلام العظيم.. حيث العيد للغني والفقير والواجد والمعدم، وحتى يكون العيدَ، فلابد أن يفرح الجميع.. وصدقة الفطر واجبةٌ بالإجماع كما ذكر ذلك العلماء. وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما  (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ويستحب إخراجها عن الحمل في بطن أمه، لفعل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه .. والمنصوص عليه في الأحاديث، هو التمر والبُرُّ والشعير والأقط والزبيب، ويجزئ أن يخرج من غالب قوت البلد.. كالأرز ونحوه من الطعام. ولا مانع من دفع القيمة في زكاة الفطر، وقد جوز إخراج القيمة جمع من العلماء والأئمة الأعلام، وكثير من دور الإفتاء بالبلاد العربية والإسلامية ولا ينبغي التجرؤ والتحكم ومصادرة هذا الرأي المعتبر أو التشكيك فيه، وتسفيه الرأي الآخر، فلكل دليله ومستنده، فلا تضيقوا على الناس رحمكم الله.

ومقدار زكاة الفطر لهذا العام دينار ونصف، ووقت إخراج زكاة الفطر وأفضله، يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد؛ فأخرجوها رحمكم الله طيبة بها نفوسكم، ثم ابتهجوا بعيدكم واشكروا الله تعالى على التمام، واسألوه القبول وحسن الختام.. وإن من سنن الهدى التي شرعها الله عز وجل وسنها رسوله صلى الله عليه وسلم: التكبير ليلة العيد وصبيحة العيد..

قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وصفته أن يقول المسلم: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد).

أيها الأخوة والأخوات في الله:إنه في ظل استمرار تفشي الوباء في العالم، فقد أجاز العلماء أداء صلاة عيد الفطر المبارك في البيوت، بالكيفية التي تُصلى بها في الجوامع والساحات، وذلك لقيام العذر المانع من إقامتها في الجوامع والمصليات، ويجوز أن

يؤديها المسلم والمسلمة منفرداً، أو يصليها الرجل جماعة بأهل بيته، بلا خطبة، وتصلى ركعتين وبالتكبيرات الزوائد، وعدد التكبيرات الزوائد سبع في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام، وخمس في الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام إلى الركعة الثانية، ووقت أقامتها بعد طلوع الشمس بعشرين دقيقة تقريباً، وتمتد إلى الزوال.. نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ويختم لنا شهر رمضان برضوانه، ويعتق رقابنا من نيرانه، ويجود علينا بلطفه وامتنانه، ويهب لنا ما وهبه لأوليائه. اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه، وأسعدته بطاعتك فاستعد لما أمامه، وغفرت له زلله وآثامه. اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، اللهم وفقنا لتدارك بقايا الأعمار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار… اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثل هذا الشهر فبارك لنا فيه، وإن قضيت بقطع آجالنا وما يحول بيننا وبينه فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعمنا جميعا برحمتك ورضوانك، واجعل الموعد بحبوح جنانك وغفرانك، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا… اللهم ادفع وارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن، وسيء الأسقام والأمراض، ما ظهر منها وما بطن،عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين وبلاد العالم أجمعين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهمَّ استُرْ عوراتنا وآمِنْ رُوعَاتِنا وأحفَظنا من بينِ أيديِنا ومن خلفِنا وعن أيمانِنا وعن شمائِلنا ومن فوقِنا ونعوذُ بعظمتِك أن نُغْتَالَ من تحتِنا يا سميع الدعاء. اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين… اللهم وفِّق العاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني في القطاع الصحي والعسكري والأمني والإعلامي والإداري والتطوعي، اللهم أَعِنْهم وانفع بهم، وبارك في جهودهم، وسدِّد رأيَهم وألهمهم الصوابَ والرشدَ، وأحفظهم من كل سوء ومكروه برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً وارفع البلاء عنهم.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين..

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين